المفتي محمود الحمزاوي
الشيخ محمود بن محمد نسيب حمزة، المعروف باسم الحمزاوي (1821-1887)، شَغَلَ مَنصب مُفتي دمشق في الفَترة الأخيرة مِنَ القرن التاسع عشر، واكتسب شهرةً باعتبارهِ أَحد أبرز عُلمائها.
وُلدَ الحَمزاوي في عائلةٍ دينيةٍ محترمة في دمشق، وكان نسبه يزخر بأجيال شاركت في توجيه الشؤون الدينية في المدينة. تلقّى مَحمود تعليمهُ في مدارس دمشق الدينية، حيث استفاد من حكمةِ والده، محمد نسيب الحمزاوي، الفقيه البارز ومفتي الدّيار السابق. كما استفادَ من العديد من العلماءِ المحترمين مثل الشيخ عبد الرحمن الكزبري، والشيخ حامد العطار، والشيخ عبد القادر الميداني. توجّه أيضاً للتعلم عند مُفتي بيروت، الشيخ عبد اللطيف. ومع ذلك، إلا أن الشّيخ سعيد الحلبي في الجامع الأموي هو الذي أَثر فيه تأثيرا عميقا، حيث علّمه النَّحو والصرف والمَنطق والأصول، وقرّبه من الصوفية، وتَعَمّق في الأدب أيضاً، وأتقَنَ اللغة التركية.
كانت دقة الحمزاوي في التخطيط لا مثيلَ لَها، حيثُ كتبَ سورة الفاتحة على حبة أرز واحدة، مما أظهر مهارته التخطيطية الرائعة. واشتهر أيضاً بمهارته في الصيد، حيث حصل على إعجاب الجميع بمهارته ودقته في هذا المجال. مع تراكم الأوسمة العلمية، تَقدم في الرُّتب العِلمية حتّى وصل إلى رتبة كبار المدرسين. وكانت محاضراته فصيحة، وذكاؤه حاد، جَذب الجماهير الباحثين عن الحكمة. كان محبوباً من الحكام بسبب صدقه وكثيراً ما كان محل طلب الشفاعة، وتمتع بوجه كريم، وشخصية جذابة ولكنه متواضع، وله عقل حاد وروح تأملية سامية. امتلك مجموعة واسعة من المعرفة وكان كاتباً ومُلماً بمذهب الحنفية.
بعد أن تولى المفتي الحمزاوي، إدارة الأوقاف في دمشق وأصدر فيها الفتاوى الدينية، أدرك صعوبة تغطية وتنظيم كافة المسائل المتشعبة والمعقدة للأوقاف. لذا، قام بتبسيط أهم مبادئ الوقف إلى عبارات موجزة وكلمات مختصرة؛ حيث عرض مجموعة من أحكام الوقف المختصرة، تضم خمسين قاعدة، يتبع كل منها شرح سهل وواضح، وقام بنشرها في كتاب " قواعد الاوقاف وما والاهم من السؤالات والأجوبة" المتوفر كمخطوطة في المكتبة الوطنية.